الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ماكرون وبايدن لإنقاذ لبنان 

ماكرون وبايدن لإنقاذ لبنان 

10.07.2021
رندة تقي الدين


النهار العربي
الخميس 8/7/2021 
زيارة السفيرتين الفرنسية آن غريو والأميركية دوروتي شيا للسعودية، تندرج في محاولة واشنطن وباريس إقناع المسؤولين في السعودية بما سبق وطلبه وزيرا خارجية البلدين، جان إيف لودريان وأنتوني بلينكن، من نظيرهما السعودي الأمير فيصل بن فرحان، بأن تعاود المملكة الاهتمام بلبنان ومساعدته، وحض المسؤولين فيه على تشكيل حكومة إصلاح. أصبح معروفاً أن القيادة السعودية سئمت من مساعدة الدولة اللبنانية التي ابتلعت المليارات في الفساد والهدر، واستفاد منها حلفاء إيران والأسد و"حزب الله" في لبنان. والقيادة السعودية الشابة لا تعرف لبنان ولم تزره، إذ إنها تعرفه عبر ما يروى لها من الجيل القديم الذي كان يحبه ويتردد اليه باستمرار. وفتحت القيادة الشابة في المملكة بلدها وحدّثته وأنشأت فيه كل ما يجذب المواطن السعودي الذي لم يعد مهتماً بنهوض أو انهيار البلد الجميل الذي كان البلد العزيز للجيل القديم. 
صحيح أن السعودية لم تعد مهتمة بهذا البلد، ولكنها إذا امتنعت عن المساهمة مع فرنسا والولايات المتحدة عن إسعافه فسيتمزق، والمستفيد الأكبر ستكون إيران و"حزب الله" كما يحدث حالياً في بلد غني مثل العراق. فصحيح أن السعودية وأي دولة عربية أخرى لا تحبذ مساعدة دولة فاسدة، ولكن الشعب اللبناني يستحق المساعدة. وفرنسا الآن في صدد التحضير لمؤتمر ثالث لدعم الشعب اللبناني يرأسه الرئيس إيمانويل ماكرون قبل نهاية هذا الشهر، ومشاركة السعودية بالغة الأهمية لمؤتمر دعم تذهب فيه المساعدات الى المنظمات غير الحكومية والى الشعب وللجيش. والسفيرة الفرنسية آن غريو خرجت عن اللغة الخشبية التقليدية، إذ ردّت بلهجة نارية، وهي على حق، بوجه حسان دياب رئيس حكومة تصريف الأعمال الفاشل حتى في تصريفها، وكأنه في غيبوبة غير مستدرك لمسوؤليته. كيف يمكن أن يستدعي سفراء أجانب ليحمّلهم مسوؤلية انهيار لبنان وفي زمنه وصل الدولار الى 18 ألف ليرة، ولا مازوت ولا كهرباء ولا بنزين. وردت غريو بأن السلطة اللبنانية لا تساعد نفسها، حتى أن حكومة تصريف الأعمال كان يمكن أن تقوم بخطوات مع البنك الدولي ولم تفعل. والسفيرة الأميركية ردت أيضاً بقوة بأن الإدارة الأميركية تساعد الجيش والمنظمات المدنية. فشكلت دعوة دياب للسفراء خطوة جديدة تظهر فشل هذا المسوؤل الذي تم اختياره لترؤس حكومة أهم ما قامت به هو الامتناع عن تسديد الدين الخارجي الذي ساهم في تسريع انهيار البلد. وواقع الحال أن فرنسا ماكرون وحدها حتى الآن كانت في الطليعة لمساعدة لبنان، لأن من كان يهتم به في الماضي تعب منه. والمملكة السعودية التي أوقفت الحرب الأهلية في الطائف، وقطر التي أتاحت انتخاب رئيس جمهورية بعد فراغ دام سنتين، عملتا الكثير من أجله. وفرنسا تحاول بجهد مستمر. ماكرون يكثّف التعبئة لإسعاف البلد، ولكن كما قالت سفيرته على الأرض، فإن المسؤولين أغرقوه بدل أن يشكلوا حكومة إصلاحية مثلما التزموا للرئيس الفرنسي عندما زار لبنان. والبعض في المجتمع المدني لام ماكرون لأنه تكلم مع المسؤولين كونهم سبب الانهيار. إلا أنه حصل  على التزام كاذب من معظمهم لتنفيذ خريطة الطريق الفرنسية وفشلوا في تنفيذها، لأن مصالحهم أهم من البلد الذي خرّبوه. فانتقاد المجتمع المدني لماكرون ليس في محله، لأن رئيس دولة مثل فرنسا لا يمكنه إلا أن يتحاور مع المسؤولين عن الدولة. وهو التزم بوعده للبنانيين عندما قال لهم: "لن أترككم"، وها هو يعدّ لمؤتمر ثالث لدعم الشعب اللبناني. وهو أقنع صديقه الأميركي الجديد جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن بضرورة العمل معاً من أجل لبنان. ومستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان ينسّق مع السفير إيمانويل بون، كبير مستشاري ماكرون في الأليزيه حول لبنان. وسوليفان مهتم بمنطقة الشرق الأوسط، ولبنان مثل نظيره الفرنسي بون الذي سبق وعمل سفيراً للبنان ومساعده للشؤون العربية الدبلوماسي باتريك دوريل الذي سبق وعمل في السفارة الفرنسية في السعودية وفي سوريا ويعرف لبنان جيداً. ففرنسا مهتمة بلبنان، رغم أنها مدركة أن المسؤولين عن التعطيل والفساد فيه خرّبوه ويعرفون تماماً من هم. أما العقوبات فلم تساعد يوماً على إخراج البلد من انهياره. وحدها الانتخابات، إذا كانت حرة وحقيقية، قد تغيّر الوضع. ولكن كيف يحصل ذلك مع "حزب الله "الذي يمسك بزمام الأمور ويلقي مسوؤلية خراب لبنان على حصار أميركا، في حين أنه المسوؤل الأول مع حلفائه عن انهياره؟ فالحزب يختار المرشحين للرئاسة، وهو الذي يوافق أو يرفض اسم رئيس الحكومة، وهو الذي يغطي الفساد والتهريب وسوء الإدارة، وبيده قرار الحرب، ويرسل مواطنيه لقتل الشعب السوري دفاعاً عن بشار الأسد. فكيف ينهض لبنان في مثل هذه الحالة والشعب اللبناني الذي يؤيده أو يعارضه ينتظر "كلمة السيد" ليرى ما الذي ينتظر المواطن في يومياته. واليوم مع اقترابنا من ذكرى سنة على مأساة انفجار المرفأ، المطلوب الاستجابة للدعوة الفرنسية الأميركية لإعطاء بريق أمل لشعب يغرق وبلد يتمزق لحساب نظام إيراني. فإسعاف لبنان ضروري. كما قال غسان تويني أستاذنا الراحل الكبير في إحدى محاضراته "عدم إعادة إنقاذ لبنان يعني تهديد الدول المجاورة بالتمزق، والسماح لتوسع بؤر العنف والفقر واليأس والفساد المجرم، وعدم إنقاذ لبنان يعني التخلي عن المكان الجغرافي الوحيد لتلاقي الإسلام والمسيحية وتعايشهم في توازن اجتماعي وسياسي، وذلك قبل أن نغرق في شتى أشكال التطرف الديني أو في الكهوف الإثنية".